الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الأكارم؛ لازلنا مع اسم الطيب، ومن الأحاديث الصحيحة التي وردت في صحيح البخاري وهو أصح كتاب بعد كتاب الله قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( عن عبد الله بن عباس لما نزلتْ هذه الآيةُ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قال كَبُرَ ذلك عَلَى المسلمينَ فقال عمرُ رضيَ اللهُ عنه أنا أُفْرِّجُ عنكم فانطلق فقال يا نبيَّ اللهِ إنه كبُرَ على أصحابِكَ هذه الآيةُ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ لمْ يفرِضْ الزكاةَ إلا ليُطَيِّبَ ما بقيَ من أموالِكم وإنما فرض المواريثَ لتكونَ لمن بعدكم فكبَّرَ عمرُ ثم قال له: أَلَا أُخْبِرُكَ بخيرِ ما يكنزُ المرءُ؟ المرأةُ الصالحةُ إذا نظر إليها سَرَّتْهُ، وإذا أمرها أطاعتْه، وإذا غاب عنها حفِظَتْه. ))
[ سنن أبي داود: خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] ]
المال الذي تؤدى زكاته يطيب، يُبارك فيه، تنتفع به، يحفظه الله، يسلم من التلف.
أيها الإخوة الكرام؛ ما تلف مال في برّ أو بحر إلا بحبس الزكاة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، ففي سنن أبي داود: ((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ)) لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾
الخطاب موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا على أنه نبي، على أنه ولي الأمر: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ الصدقة هنا تعني أنها تؤكد صدقهم:
الشح مرض خبيث يصيب النفس:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ تُطهّر الغني من البخل، البخل والشح مرض خبيث يصيب النفس، كيف أن الورم الخبيث يصيب الجسم، وقد يكون قاضياً، كذلك الشح مرض خبيث يصيب النفس، فأندم الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً، وأكبر عقاب للبخيل أن من حوله يتمنون موته، فإذا أصابته وعكة وجاء الطبيب وقال: قضية بسيطة، ينزعج الأولاد جداً، يريدونها قاضية، لا يريدونها عَرَضية، فلذلك الزكاة تُطهّر الغني من الشح، تُطهّر الفقير من الحقد، يرى أن الغني يعطف عليه، يعطيه من ماله، تُطهّر المال-هنا الشاهد-مِن تعلق حق الغير به، فالحجر المغصوب في دار رهن بخرابها.
إذا بقي في المال حق الفقير ولم يؤدَّ ربما تلف المال كله، إذاً برئ مِن الشح مَن أدى زكاة ماله، لا تستطيع أن تتهم إنساناً بالبخل إذا أدى زكاة ماله، برئ من الشح من أدى زكاة ماله، وبرئ من الكِبر من حمل حاجته بيده، وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله، إذاً: ((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ)) لأن الله طيب، هو طيب، وطَيَّب مالك، أنفقته بيسر، بارك الله لك فيه، انتفعت به، سَلِم من المصادرة، ومن التلف، ومن الحريق، الله عز وجل كما أنه إذا أعطى أدهش، إذا أخذ أدهش.
وفي حديث آخر، دققوا في هذا الحديث:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ -أي بمثل تمرة-مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ-من مال حلال-وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ -الفرس الصغير-حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ. ))
ورد الإنسان إذا وضع في فم زوجته لقمة من طعام رآها يوم القيامة كجبل أحد، الله عز وجل خلقنا لنربح عليه:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)﴾
أيها الإخوة؛ هذان الحديثان: ((مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ-أي بمثل تمرة-مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)) .
الجنة لا يدخلها إلا الطيب:
شيء آخر؛ أنت أيها المؤمن إذا اصطلحت مع الله، وتبت إليه، وأقبلت عليه، وطبقت أمره، واجتنبت نهيه، وأحسنت إلى خلقه تكون طيباً، لذلك قال تعالى:
﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)﴾
أصبحتم طيبين، أي محصلة معرفتك بالله، محصلة طاعتك له، محصلة إقبالك عليه، محصلة عملك الصالح أن تكون في النهاية طيباً، لأن الجنة لا يدخلها إلا الطيب: ﴿طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ .
من عرف رحمة الله وعفوه لا يسأل غيره:
أيها الإخوة؛ كلكم يعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
كمال الله كمال مطلق، أيّ خبر، أيّ كلام، أيّ تعليل، أيّ تحليل لا ينتهي بك إلى أن تُعَظّم الله فهو باطل، لأن الله أسماؤه حسنى، وصفاته فضلى، وكماله مطلق، وحُسن الظن بالله ثمنه الجنة.
يقول الله عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ الفقرة الأولى: أسماء الله كلها حسنى، الآن: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ كلمة فادعوه بها لها معنيان رائعان؛ أنت بضائقة مالية شديدة، ولك صديق حميم، لكن منذ أمد طويل لا تعرف عنه شيئاً، صديق حميم، ثم بلغك أنه غني كبير، وأنه كريم، هاتان المعلومتان تدفعانك إلى أن تسأله قرضاً، لولا هاتان المعلومتان لما سألته، أنت حينما تعرف رحمة الله، حينما تعرف عفو الله، محبة الله، رحمة الله، حكمة الله، حينما تعرف أسماءه الحسنى تسأله، وتستغني به عمن سواه، أحد الخلفاء رأى عالماً جليلاً في الحرم المكي، قال له: سلني حاجتك؟ قال: والله إني أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله.
كن عن همومك معرضاً وكِلِ الأمور إلى القضـا
وابشر بخيـــــــر عاجــل تنس بـه ما قد مضـــى
فلربّ أمــــــــر مســـخطٍ لك في عواقبـه رضـى
ولربما ضاق المضيـــــق ولربما اتسع الفضـــــا
الله يفعـــــــل ما يشــــاء فـــــــلا تكن معترضـا
الله عــــــوّدك الجميــــل فقس على ما قد مضى
إذاً الإنسان،
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ اسأله التوبة يتب عليك،
(( عَنْ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يا بنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئًَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً ))
[ صحيح الترغيب حسن لغيره أخرجه الترمذي ]
ادعُه في كل شيء، اسأل الله ملح طعامك، اسأل الله شسع نعلك إذا انقطع، اسأل الله حاجتك كلها، أنت بالدعاء أقوى إنسان، الدعاء هو العبادة فلذلك: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ أنت حينما تعرفها تدعوه، حينما تعرفها تعلق الأمل عليه، حينما تعرفها لا تتضعضع أمام قوي، ولا أمام غني، تكون عزيز النفس، ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير، ولا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسه، شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس، لماذا أنت عزيز؟ لأنك تعرف الله، لماذا أنت لا تنافق؟ لأنك تعرف الله، لماذا أنت لا تتضعضع أمام قوي؟ كلام السحرة شيء لا يصدق:
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)﴾
أهمية معرفة أسماء الله الحسنى في نفس المؤمن:
أيها الإخوة؛ دعاء الله عز وجل أحد أسبابه معرفته، فلذلك تكاد الأسماء الحسنى تُشكِّل أكبر حيز في العقيدة الإسلامية، أنت دخلت إلى بيت صديقك، والصديق مشغول، رأيت في غرفة الضيوف إنساناً تسأله: الاسم الكريم؟ يا ترى هل يكفي أن يقول لك اسمه؟ ماذا تعمل؟ متزوج؟ إلى أين وصلت بالدراسة؟ لا يمكن أن تكون المعرفة تامة إلا إذا عرفت عنه أكثر الأشياء، فالله خالق السماوات والأرض هل عرفت رحمته؟ هل عرفت عدله؟ هل عرفت لطفه؟ هل عرفت محبته؟ إن عرفته دعوته، وإن عرفته زهدت فيما سواه، إن عرفته أقبلت عليه، إن عرفته سألته، إن عرفته استغفرته، إن عرفته تبت إليه، إن عرفته توكلت عليه، إن عرفته لا يمكن أن تحزن، لا يجتمع الحزن مع معرفة الله.
تصور مجنداً غراً، والده قائد الجيش، هل يمكن أن يخاف من عريف؟ ممكن لو عريف هدده لا ينام الليل؟ والده بيده أعلى الرتب، أنت حينما تعرف من هو أبوك، وما علاقته بهذا الجيش لا تعبأ بأي تهديد، لذلك قالوا: كلمة الحق لا تقطع رزقا، ولا تقرّب أجلاً.
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾
لو أنهم خافوا من غير الله فسكتوا عن الحق خوفاً من هذا القوي، بل نطقوا بالباطل إرضاءً له ماذا بقي من دعوتهم؟ انتهت دعوتهم، سُئل مرة الحسن البصري: بمَ نلت هذا المقام؟ قال: بشيئين، باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي، في آخر الزمان يستغني الأمير عن علم العالم، والعالم بحاجة إليه، انتهت الدعوة، انتهت كلياً، باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
سيدنا أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى قال له جعفر المنصور وكان من أقوى خلفاء بني العباس، ومن أشدهم بطشاً، قال له: يا أبا حنيفة لو تغشيتنا؟ زُرنا، قال: ولمَ أتغشاكم وليس لي عندكم حاجة أخاف عليها؟ وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء؟ إنك إن أكرمتني فَتنتني، وإن أبعدتني أزريت بي، ولمَ أتغشاكم؟
يا إخوان؛ يوجد بنفس المؤمن من العزة-صدقوا ولا أبالغ-ما لو وُزِّعت على أهل بلد لكفتهم، لذلك أنت إذا عرفت الله تكون عزيز النفس، أنت إذا عرفت الله لا تخشى أحداً إلا الله، ماذا قال سيدنا هود؟ قال:
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)﴾
يتحداهم.
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
لذلك أنت إذا عرفته دعوته، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
الله عز وجل لطيف مُنصف عدل:
يوجد معنى آخر رائع جداً، أنت ألا تتخذ وسيلة إلى قلب كبير في الأرض، تذهب إليه معك هدية، الهدية تُذهِب بوحر الصدر، الهدية تفتح القلب،
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: تَهَادَوْا تَحَابُّوا. ))
الهدية وسيلة، بإمكانك أن تصل إلى الله إذا تقربت إليه بخُلُق مشتق من كماله، الله رحيم،
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ. ))
الله لطيف، كن لطيفاً،
(( عن أبي هريرة: علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف. ))
[ مختصر المقاصد: حسن لغيره ]
الله عز وجل منصف، اعدل بين أولادك، اعدل بين صهرك وابنتك، تأتي البنت تشتكي على زوجها، يأخذ الأب موقفاً، هل كلف الأب نفسه أن يسأل صهره: ما الذي أزعجك منها؟ يستمع إلى ابنته فقط، ويأخذ موقفاُ، ويُقاطع هذا الصهر، وقد يكون مظلوماً، فالله عز وجل عدل، لا تتقربوا إليه إلا بالعدل، لذلك: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ إن عرفتموه دعوتموه، وإن دعوتموه وتمنيتم عليه أن يستجيب لكم فتقربوا إليه بكمال مشتق منه، هذا المعنى.
اسأل الله فعل الطيبات:
أيها الإخوة؛ الدعاء الذي
(( ورد في صحيح البخاري: عبد الرحمن بن عائش الحضرمي: اللهم إني أسألُكَ الطيباتِ ، وتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وحُبَّ المَسَاكِينِ، وأن تَغْفِرَ لي وتَرْحَمَنِي وتَتُوبَ عَلَيَّ، وإذا أَرَدْتَ فتنةً في قومٍ فَتَوَفَّنِي غيرَ مَفْتُونٍ. ))
[ تخريج كتاب السنة:خلاصة حكم المحدث: صحيح ]
هناك زوجة طيبة، نعمة كبيرة، بل هي حسنة الدنيا، هناك طعام طيب، ليس لأنه غال، لأنه اشتُري بمال حلال، يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة.
هناك بيت طيب، أي بيت ليس مكشوفاً على أماكن لهو، على أماكن منحرفة، هذا بيت طيب، هناك بيوت أمام ملاه، أمام أماكن صاخبة، هناك بيت طيب، وهناك زوجة طيبة، وهناك طعام طيب، أي اشتُري من مال حلال، وهناك صديق طيب ينصحك ويُعينك على الخير، وهناك صديق خبيث، وكأن الطيب يقابله الخبيث، والله سبحانه وتعالى:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾
فالدعاء الذي ورد في البخاري: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ)) .
الابتعاد عن الأعمال التي تفتن الإنسان:
والله يا إخوان؛ بآخر الزمان:
(( عن أبي هريرة: يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا. ))
الآن نحن في زمن الفتن، لكن هناك معنى دقيق:
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)﴾
الدعاء ألا تكون مفتوناً، وينبغي ألا تكون فاتناً، أنا كيف أفتن الذي كفروا؟ مسلم مقصر، مسلم لا يُتقن عمله، مسلم يقدم تصريحاً كاذباً، يأتي الطرف الآخر أنا لا أفعل هذا، أنا على حق، وأنت على باطل، ما الذي أقنعه بانحرافه العقدي؟ تقصير المسلم، فكما أن المسلم قد يُفتَن، وقد يَفتِن الكافر بكفره، وفي صحيح البخاري أيضاً
(( عن أبي أمامة الباهلي: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غيرَ مَكْفِيٍّ ولَا مُوَدَّعٍ ولَا مُسْتَغْنًى عنْه، رَبَّنَا. ))
إذا أكل الإنسان، إذا جلس مع أهله، وسعِد بهم، إذا أعجبه أولاده، إذا سافر إلى نزهة، وسعِد بهم، الدعاء الذي ورد في البخاري: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ)) ومن أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عن أم سلمة: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا ))
[ ابن ماجه: حسن ]
هناك علم لا ينفع، وهناك دعاء جامع مانع: اللهم ارزقني طيباً، واستعملني صالحاً، هناك أعمال مقدسة، هناك أعمال فيها خير، هناك أعمال فيها نفع للناس، هناك أعمال فيها هداية، هناك أعمال فيها معالجة طبية، الطبيب، المعلم، هناك أعمال كلها خير للناس، وهناك أعمال أساسها ابتزاز أموال الناس، أو إلقاء الرعب في قلوبهم.
أيها الإخوة؛ هذا الدعاء دعاء المسألة، لكن هناك دعاء عبادة، دعاء العبادة تحري الحلال الطيب هو دعاء العبادة، لذلك قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)﴾
التطبيقات العملية لاسم الطيِّب:
1 ـ الجود والكرم بأفضل الأمور:
الآن ما علاقتنا بهذا الاسم؟ التطبيقات العملية، ألم أقل لكم قبل قليل يمكن أن تتقرب إلى الله بكمال مشتق منه، هو طيب، أنت متى تكون طيباً؟
تكون طيباً إذا عرفت الله، تكون طيباً إذا أطعته، تكون طيباً إذا تقربت إليه، لكن من تطبيقات هذا الاسم الجزئية أن ينفق الإنسان من أجود ماله، أكثر الباعة سامحهم الله إذا كان عندهم ستوكات، والله جاءتني مجموعة ألبسة وضعتها في الحاوية فوراً، فلما سألني عنها صاحبها في اليوم التالي قلت: وضعتها في مكانها المناسب، أقصد الحاوية، تنفق شيئًا تكرهه؟ كل حذاء نمرة، حسبه من مال الزكاة أيضاً، معظم الباعة الذين شردوا عن الله ماذا يوجد عنده ستوكات، ماذا يوجد عنده بضاعة كاسدة قديمة مُنفّرة يقدمها زكاة ماله،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمَرَ المُؤمِنينَ بما أمَرَ به المُرسَلينَ؛ فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] ثمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشعَثَ أغبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيه إلى السَّماءِ: يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطعَمُه حَرامٌ، ومَشرَبُه حَرامٌ، ومَلبَسُه حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ؛ فأنَّى يُستَجابُ لذلك؟! ))
2 ـ التوسعة على النفس والأهل:
قال: من تطبيقات هذا الاسم أن تنفق من أجود مالك، وألا تبخل على نفسك وعيالك بالطيب، أنت وسّع الله عليك، ليس منا من وسع الله عليه ثم قتّر على عياله، اشتهوا طعاماً معيناً، اشتهوا شيئًا معيناً مباحاً ضمن الشرع، وأنت معك مال، لا يوجد داع، لا فائدة من هذا الشيء، ربّوا أولادكم فإنهم خُلِقوا لزمن غير زمنكم.
هذا الطفل اشتهى كمبيوتر، وهذا أداة العصر، والآن من لا يتقنه يُعدّ أمياً، الأب ليس قانعاً به، أنت هذه ليست قضية قناعتك، قضية أن هذا صار أداة العصر، فلذلك أن تنفق من أجود مالك، وألا تبخل علي نفسك وأهلك وعيالك بالطيبات، إذا كنت في بحبوحة، ليس منا من وسّع الله عليه ثم قتّر على عياله، الآية الدقيقة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)﴾
3 ـ الإنفاق من طيبات ما كسبتم:
معنى ﴿تَيَمَّمُوا﴾ أي تتحروا الخبيث، ماذا يوجد عنده أشياء سيئة، بشعة، غير جميلة، الإنسان انصرف عنها، يقدمها للفقير: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ إذا كان الطعام سيئًا تدفع فيه ثمناً بخساً: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ سيئون، تأخذ هذا المبلغ مقابلهم، ﴿تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ تستزيد منه لسوئه، وتخفض السعر: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي أنفقوا من طيبات ما كسبتم، هذا التطبيق العملي.
أيها الإخوة؛ الشيء الأخير:
﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)﴾
عندك بنت حفظت كتاب الله، معها شهادة عليا شرعية، يأتيك تاجر جاهل، أخي عنده بيت وعنده سيارة، لا يقدّر علمها، يهينها أحياناً، يحتقر علمها، يسيء إليها إساءة بالغة، ﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ من التطبيقات العملية إذا كان عندك بنت صالحة مؤمنة محجبة مثقفة ثقافة عالية حافظة كتاب الله لا تفرط فيها، لا يغريك المال، هذه الفتاة الطيبة تحتاج إنساناً يُقدّر علمها.
أعظم عمل طيب تقوم به أن تعرف الله
لكن أعظم عمل طيب تقوم به أن تعرف الله، إنك إن عرفته عرفت كل شيء، وإن غفلت عنه غفلت عن كل شيء، يا رب ماذا فقَد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أعظم عمل طيب أن تعرفه، إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي، وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها.
فلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنا لـــــغيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خـلعت عنك ثياب الــــعجب وجئتنـا
ولو ذقت من طعم المـحبــة ذرة عذرت الـــذي أضحى قتيــلاً بـحبنـا
ولـــو نسمت من قربنا لك نسمة لـــمت غريبــــــــاً واشتياقاً لقربنـــا
فما حبنا سهل وكل مـن ادّعـــى سهولته قلنا له: قــــــــــد جهلتنــــــا
أي نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، فإذا وحدت الله واتّقيته جمعت المجد من كل أطرافه.
الملف مدقق